﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (
﴾.
يقولُ تعالى مُوَبِّخًا عبادَهُ عن اشتغالهم عمَّا خُلِقُوا لهُ مِن عبادته وحده لا شريك له، ومعرفتِهِ والإنابةِ إليه، وتقديمِ محبّتِهِ على كُلِّ شيءٍ..
[1]: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾، يقول: أَشْغَلَكُمْ حُبُّ الدّنيا ونعيمِها وزَهْرَتِها عن طلبِ الآخرة وابْتِغَائِها، وتمادى بكم ذلك حتّى جاءَكم الموتُ وزُرْتُمُ المقابرَ وصِرْتُمْ مِنْ أهلِهَا
[2]....استمَرَّتْ غفلتُكم ولَهْوَتُكُمْ وتَشَاغُلُكُم
[3] ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾.
قال الحسن البصريّ: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ «في الأموال والأولاد»
[4]وقال قتادة: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ «التّفاخر بالقبائل والعشائر»
[5]وقال الضّحّاك: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ «التّشاغل بالمعاش والتِّجارة»
[6]قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[الحديد: 20].
وقال تعالى: ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ قال الحسنُ البصريّ: «هذا وعيدٌ بعد وعيدٍ»
[7]﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ عاقبةَ تكاثركم وتفاخركم إذا نزلَ بكم الموتُ
[8]﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾: لو تعلمون ما أمامكم عِلْمًا يصلُ إلى القلوب..
[9].... لو تعلمون الأمرَ علمًا يقينًا لشغلكم ما تعلمون عن التّكاثر والتّفاخر.... لما ألهاكم التّكاثر ولبَادَرتم إلى الأعمال الصّالحة، ولكنْ عدمُ العلمِ الحقيقيِّ صَيَّرَكُمْ إلى ما تَرَوْنَ..
[10]، فالاِلْتِهَاءُ بالتّكاثرِ إنَّما وقع مِن الغَفْلَةِ وعَدَمِ اليقين..
[11]، كما قال تعالى: ﴿كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾[الأعراف:136]، ومثل قول النّبيِّ (صلّى الله عليه وسلّم): «وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ ما أَعْلَمُ لضَحِكْتُمْ قليلاً ولبَكَيْتُمْ كثيرًا»
[12]ثمّ قال: ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ. ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ﴾ أي: رؤيةً بصريَّةً..
[13]، كما قال تعالى: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا[أي: أَيْقَنُوا] أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾[الكهف:53].
ثمّ قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ الّذي تنعَّمتُم به في دار الدُّنيا، هل قُمْتُم بشُكْرِهِ وأَدَّيْتُم حقَّ اللهِ فيهِ ولم تستعينُوا به على معاصيهِ؟ فينعِّمكم نعيمًا أعلى منهُ وأفضل.
أم اغْتَرَرْتُم بِهِ ولم تقُومُوا بشكره؟ بل ربّما اسْتَعَنْتُم بِهِ على معاصي اللهِ؟ فيُعاقبكم على ذلك
[14] قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾[الأحقاف: 20].
عباد الله!....سنُسألُ عن الأمن والصّحّة... سنُسألُ عن صحّة الأبدان والأسماع والأبصار... ... سنُسألُ الفراغ... سنُسألُ عن شِبَعِ البُطون وبارِدِ الشّراب وظلالِ المساكن... سنُسألُ عن الغذاء والعشاء... سنُسألُ عن ملاذّ المأكول والمشروب... سنُسألُ عن كلِّ شيءٍ من لذَّةِ الدُّنيا... فهل يا عبادَ الله! أدَّينَا شُكْرَ كلِّ هذا؟... هل قُمنا بحقِّهِ؟... هل عبَدْنَا اللهَ تعالى حقَّ عبادتِهِ؟...
فَلْنَسْتَعِدَّ باركَ اللهُ فيكم، ولْنَعْمَلْ بطاعةِ اللهِ فيما رزَقنَا اللهُ. نسألُ اللهُ تعالى أن يُعِينَنا على ذلك..