و فجأة تحولت الى رجل !!

تلك اللية لم أستطع النوم .. أتقلب في الفراش كأفعى جريح .. ألم الفقرات يضايقني .. عضلاتي تتكور .. مزاجي حاد .. عظامي يتشنج .. بطني يخرخر

و هناك حمى شديد يباغتني .. جسدي كالفرن .. يضرم .. يحترق !

كل أجزاء جسدي في نزاع شديد مع آلام لا أفهم بغيتها و لا منيتها !

لحظات تمر و أنا اشعر بثقل شديد أيضا .. أعاتب نفسي بنفسي .. و ألعن ألف مرة حياتي التافهة " لو لم ألد كفتاة .. لو كنت والدا ... لحلوا عني القيد ..و أطلقوني "

حرية المرأة كلمة لا وجود لها إلا في قواميس اللغة و معاجمها .. هذا ما تردد أمي دائما !

ثم قالت بثغرتها اللطيفة و صوتها الحاني " لو فتشنا كلمة الحرية في أفئدة الناس لما وجدنا .. إذ أن المرأة لو وجدت هذه الحرية المزعومة .. سجنت نفسها بتفسها تبرما من فضول الرجال و نظراتهم .. و تشكوا على لصوقهم بها ! "

تمردت على أمي " أنا أكره كوني أنثى ! الأنوثة ضعف .. عار .. و ذل .. لهذا كان العرب القدماء يدفنون بناتهم ! أتمنى أن أكون رجلا !"

أمي قالت بغضب و هي تنصرف " أنت بنيتي غبية جاهلة .. لماذا ترين الشرف في الرجولة .. و الإنحاط في الأنوثة .. سوف تفهمين يوما !

قلت " ماذا يا أمي .. أي خير في الأنوثة .. حياتنا خيبة و خدلان .. نتخرج عن الكليات لنعلق شهاداتنا في المطبق .. كزينة ديكورية ..
نتزوج لننتقل من سجن الى سجن أكثر قسوة !
ثم ماذا بعد ؟!
نتعب في الولادة سنة بعد سنة .. و يأخد منا رنوقتنا و نضارتنا .. نقاسي عذاب المر في الإنجاب .. و الطبق و الغسيل .. و كل الأعمال المنزلية ..!
أما هم إذا لم يتحملوا زحمة الأولاد يبحثون لأنفسهم مكانا هادئا تنتظره زوجة جديدة ..!

.............

و هكذا تمردت على أمي و أزدرت أبي

ثم قلت و أنا أفطن " أتمنى أن أكون رجلا يسل جوه سفورا .. و يتدفق حرية و استهتارا !"

قال أخي الذي يصغرني بسخرية تعمد أن يصلني " لا تقلقي يا قمر .. سوف أعيش جوا من السفور لأجلك !

.. .... ..

بدأت أعصابي يتعصب .. و أنا أسترجع تلك الذكريات التي كنت أقهر بسبب كوني أنثى !

تمنيت للحظة أن أكون كالبحر الغضب .. يصفع بموجه أفئدة الساخرين .. يضرب بقسوة عنيفة كل من شارك على تعاستي ..

لوهلة إستسلمت للأوهام و الهواجس بسبب الحمى ...

نعم .. أتمنى أن أكسر بموجتي أفئدة صاحبات أمي .. " عليك أن تسارعي في تزويج إبنتك .. سيفوتها القطار "
كم أحقد هذه الكلمة " سيفوتها القطار "

.....
كانت عيناي مغلقتان و كنت شبه راقدة .. أتخبط في جهالاتي الجامح .. الى خزعبلاتي ..
أسبح في أحقادي .. و أحلامي الغاضبة!

و مازلت أعجز عن النوم .. أتقلب على فراشي كامحموم .. مكللة بالكآبة

و لا ينفك فؤادي يردد " لوكنت رجلا .. تبا !"

يتبع ...

هبض عليَّ صوت أمي الصارخة الآتية من المطبخ .. " هاني قومي .. لقد تأخرت من المدرسة "

نهضت بتثاقل مميت ..و كل عضلاتي تؤلمني بشدة .. كما لو كنت أتمرن بحمل الأثقال طوال الليل ..

أحسست بضيق في صدري .. و ضيق من ملابسي .. لابد و أني قد سمنت دون أن ألاحط .. تقدمت قليلا تجاه الحمام و أنا أحس بتغيير شديد في جسدي .. حيث أصبحت عريضة نوعا ما .. و ثقيلة ..

رمقت نظرة سريعة في المرآة الغرفة و أنا متجهة الى الحمام .. لاحط شيئا غريبا ..

عدت أنظر المرآة ..

أحسست قلبي يتوقف .. رويدا .. رويدا ..

إنداحلت خصلة شعري الفاحمة أمام عيوني .. سحبتها الى الوراء لأرى بوضوح صورتي الغريبة من المرآة ..

جسد ضخم .. قصب الجثة ..

و لأنني كنت شبه نائمة .. تجاهلت ما أرى حولي .. و راجعت أدراجي إتجاه الحمام .. أحس بإنهاك شديد !

وقفت أمام الحوض .. غسلت وجهي .. شعرت حكة طفيفة .. شيء ما على دقني يخز يدي ..!

نظرت الى المرأة مرة أخرى .. و القلق يضرب صفحات قلبي المتوتر .. تقاسيم وجهي غريبة جدا .. شعرت أن جبيني قد توسع عرضه .. و هناك شعر خفيف فوق شاربي و في دقني .. إزدادت نبضات قلبي..و توسع عيني من الخوف ..!

خرجت من الحمام بمشية مهزوزة مرعوبة .. و عيناي مندهشتان .. أهرول تجاه المطبخ .. و رداء الخوف يلفني
و التوتر يأكلني !

صحت بأعلى صوتي ..

" أمي .. أمي "

يا إلهي و هناك تغيير حاصل في صوتي أيضا .. صوت رجل مخيف !

وقفت أمام باب المطبق .. " أمي .. أنظر إليَّ .. شيء غريب يحصل لي "

كانت هناك واقفة .. قرب الشولة .. ممنقة الوجه .. أصفر الخدين .. واسعة العينين .. فمها في الفضاء .. تنظر إلي بنظرات غريبة مندهشة ..

" من أنت يا ولد ؟! وكيف دخلت هنا ؟! "

إبتسمت و في أعماقي قلق دفين .. " لا تمزح معي ماما .. أنني هاني .. إبنتك "

صاحت أمي بإسم أبي .. " قيصر .. أخرج هذا الفتى المجنون " !

خرج أبي من مكتبه .. مكشر الأنياب .. يعُد قبضته ليضربني .. و يركلني الى أعمق القمامات !

" إنتظر أبي .. أنني هاني .. إبنتكم .. ما بالكم "

خفت من نظرات والدي المتوهج .. تراجعت الى الوراء . .. أتعثر في خطاي .. . أبحث فجوة للهروب ..

و فجأة .. طق ! .. شعرت ضربة عنيفة من رأسي !

أمي ضربتي بالمقلاة ..

جمدت في مكاني برهة لا أتحرك ..ثم شعرت بدوار .. و جعلت أنقل عيوني هنا و هناك .. و أنا أحرك رأسي ببطئ حتى رسمت دائرة كاملة .. تحوم حولها طيور صغيرة تغني !

ثم وقعت على الأرض و قد أغمي عليَّ !